تحذير من الإعلام الموجّه- سياسات خفيّة وأجندات صهيونية

المؤلف: د. سامي العريان09.16.2025
تحذير من الإعلام الموجّه- سياسات خفيّة وأجندات صهيونية

في الرابع والعشرين من شهر شباط/فبراير لعام 2025، نُسبت للدكتور موسى أبو مرزوق، القامة البارزة في حركة حماس، أقوال في حوار مطول نشرته صحيفة نيويورك تايمز الشهيرة، زُعم فيها بأنه صرح بأنه ما كان ليؤيد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول لعام 2023 لو علم بالخراب والدمار الهائل الذي ستجلبه على قطاع غزة. وأشارت الجريدة كذلك، نقلاً عنه، إلى وجود استعداد لدى حركة حماس للدخول في مفاوضات جادة بشأن مستقبل ترسانة الحركة في غزة.

وفي اليوم ذاته، سارعت حركة حماس إلى إصدار بيان رسمي نفت فيه صحة ما ورد في تلك المقابلة المزعومة، مؤكدة أن التصريحات قد جرى اقتطاعها بعناية وإخراجها من سياقها الأصلي. وأوضحت الحركة أن الأقوال المنسوبة إلى الدكتور أبو مرزوق لا تعكس بأي حال من الأحوال المضمون الكامل لإجاباته، وأنها قد تعرضت لتحريف ممنهج بهدف تشويه المعنى الحقيقي للمحتوى الذي قدمه في المقابلة.

بغض النظر عما إذا كانت هذه التصريحات صحيحة أو مجتزأة أو حتى ملفقة بالكامل، فإن الكثيرين يتجاهلون مدى خطورتها الكامنة، إذ يجب أن ندرك تمام الإدراك أن صحيفة مرموقة بحجم نيويورك تايمز عندما تنشر مقالات كهذه، فإنها تفعل ذلك خدمة لأهداف وغايات وأجندات محددة سلفًا.

وسأبين بجلاء الأسباب الكامنة وراء كتابة مثل هذه المقالات، وكيف تخدم من خلالها الأجندة الصهيونية التي تعمل جاهدة لتحقيقها. لقد تكررت الشكاوى من مسؤولين وقياديين فلسطينيين مرموقين، على مر الزمان من قيام صحف بتحريف أو اجتزاء مقابلات أجروها. وعليه، يجب التأكيد مرارًا وتكرارًا على أهمية توخي الحذر الشديد عند التعامل مع الصحف التي تعادي القضية الفلسطينية بشكل مستمر، وتناهض المقاومة بكل ما أوتيت من قوة.

هناك نقطة أخرى بالغة الأهمية، وهي أن هذه الصحف لا تكتفي بنشر تصريح منسوب إلى قيادي ذي شأن، بل تعمد إلى استضافة شخصية أخرى أقل أهمية لتأكيد ما قاله القيادي المهم بطريقة ملتوية وغير مباشرة. ففي هذه المقالة محل النقاش، أضافت الصحيفة تصريحات لشخص آخر بهدف تعزيز وتدعيم ما أوردته على لسان الدكتور موسى أبو مرزوق.

وقد تكرر هذا السيناريو المشين في العام الفائت في الصحيفة ذاتها، عندما ادعت أن شخصًا تربطه صلة بالمقاومة الفلسطينية في غزة، قد أكد مصداقية وثيقة زعم الإسرائيليون أنهم عثروا عليها في جهاز حاسوب في غزة. وكانت تلك الوثيقة جزءًا لا يتجزأ من حملة دعائية إسرائيلية خبيثة تهدف إلى إدانة المقاومة وتشويه صورتها، والتحريض ضد بعض المؤسسات في تركيا من خلال ربطها بأشخاص معينين.

ونتيجة لهذا التضليل الإعلامي الممنهج، اتُخذت قرارات خطيرة، تضمنت تجميد تمويل بعض المؤسسات، ومصادرة حسابات مصرفية، وإغلاق مؤسسات أخرى بشكل كامل.

بمعنى أوضح، هذه المقالات ليست مجرد تقارير صحفية عادية، بل هي أدوات يتم استخدامها ببراعة للدفع نحو تبني سياسات كارثية مدمرة، مما يستوجب أقصى درجات الحذر والحيطة عند التعامل مع المنصات الإعلامية التي تنشرها وتروج لها.

يجب أن نعي تمامًا أن هذه الصحف لا تجري مقابلات مع قادة المقاومة الفلسطينية عن قناعة بآرائهم أو تعاطفًا معهم، بل لأن إجراءاتهم التحريرية تلزمهم بتأكيد أي تصريح أو دعم أو وثيقة أشار إليها المقال، بتصريحات شخصية أو أكثر من المقربين للحركة، وإذا شارك هؤلاء فإنهم يخدمون من حيث لا يعلمون أجندة تلك الصحيفة التي قد تسبب أذى كبيرًا.

ولهذا، فإن من يريد إيصال رسالته بصدق وأمانة، دون تحريف أو اجتزاء، فعليه أن يكتبها في صيغة مقالة رأي متكاملة، يضع فيها كل أفكاره ورؤاه بتفصيل دقيق، وسيجد العديد من الصحف المستعدة لنشرها بأمانة وموضوعية، دون خدمة للأجندة الصهيونية الخبيثة.

والنصيحة الدائمة التي لا نمل من تكرارها هي الامتناع التام عن الحديث إلى وسائل الإعلام العالمية التي تخدم الأجندات الصهيونية والإمبريالية، وعلى رأسها صحف شهيرة مثل نيويورك تايمز، أو الواشنطن بوست، وأمثالهما من المنابر الإعلامية المعروفة بانحيازها. ومن أراد التحدث إلى وسائل الإعلام الغربية، فهناك منصات إعلامية موثوقة ومساندة للقضية الفلسطينية العادلة، ستسعد بنشر مقالات من شخصيات فلسطينية وازنة ومؤثرة.

بالعودة إلى السؤال المحوري عن ماهية أجندة نيويورك تايمز الخفية، والأذى الجسيم الذي تتسبب فيه مثل هذه التصريحات والمقالات المشبوهة.. في كثير من الأحيان، ينشأ خلاف حاد بين أصحاب القرار والنخب السياسية في أميركا أو داخل الكيان الصهيوني حول سياسات معينة، مثل:

  • هل يتم اجتياح مدينة رفح الفلسطينية المكتظة بالنازحين؟
  • هل يُسمح باستمرار احتلال ممر فيلادلفي الحدودي؟
  • هل يجب العودة إلى خيار الحرب المدمرة لتحقيق الأهداف الإسرائيلية بالقوة العسكرية الغاشمة والحرب التدميرية الشاملة بدلًا من اللجوء إلى التسويات السياسية السلمية؟
  • هل يجب الإصرار بتصلب وعناد على نزع سلاح حماس والمقاومة الفلسطينية في أي مفاوضات مستقبلية؟

في مثل هذه الحالات المعقدة، عندما لا يكون هناك إجماع حقيقي أو أغلبية واضحة لتبني سياسة معينة، يلجأ أحد الأطراف المتنازعة إلى مثل هذه التصريحات الإعلامية المشبوهة لترجيح كفة سياسة على أخرى، والتأثير على الرأي العام.

في هذه المقالة تحديدًا، أراد طرف صهيوني متشدد، تبرير العودة إلى الحرب وتحقيق الأهداف بالقوة الغاشمة عبر ممارسة الضغط العسكري المتزايد، بدلًا من الاتجاه نحو الحلول السياسية العادلة، وهذا بالطبع يخدم أجندة معسكر نتنياهو المتطرف.

بمعنى آخر أكثر وضوحًا، الهدف الحقيقي من هذه المقالات المريبة، سواء كانت صحيحة أو محرفة بشكل متعمد، هو أن يستخدمها طرف نافذ داخل البيت الأبيض، أو في مجلس الأمن القومي الأميركي، أو داخل أروقة الكونغرس، للقول بأن الضغط العسكري قد أحدث انشقاقًا عميقًا أو خلافًا جوهريًا بين قيادات حركة حماس، وعليه، يجب العودة الفورية إلى تلك السياسة القمعية؛ لأنها أثبتت فعاليتها المزعومة، وتسببت في أزمة حقيقية وندم شديد داخل المجالس السياسية وبين الشخصيات الوازنة داخل الحركة.

هذا هو الدور القذر الذي تلعبه مثل هذه الصحف والمنابر الإعلامية المضللة، وهي ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها مثل هذه الأساليب الخبيثة ضد شرعية المقاومة الفلسطينية، فقد استُخدمت سابقًا ضد منظمة التحرير الفلسطينية، وضد السلطة الفلسطينية؛ بهدف تمرير وتبرير سياسات كارثية مدمرة.

ما هو الضرر الحقيقي الكامن في هذه التصريحات المشبوهة؟

يكمن الضرر الفعلي في أنها قد تدفع إدارة ترامب المتطرفة إلى السماح لنتنياهو بالعودة إلى شن حرب جديدة، انطلاقًا من وهم أن الضغط العسكري له تأثير حقيقي على صناع القرار داخل صفوف الحركة.

قد يستبعد البعض هذا السيناريو الكارثي، ويظن أنه ينطوي على مبالغة كبيرة، ولكنه للأسف الشديد ليس كذلك على الإطلاق. خبرتي الطويلة في أميركا على مدى عقود، وقربي من بعض دوائر صنع القرار في حقبة زمنية معينة، علمتني جيدًا كيف يتم استخدام وسائل الإعلام ببراعة لتغليب سياسة على أخرى، خاصة عند وجود خلافات جوهرية بين أصحاب القرار، وهناك الكثير من الأدلة الدامغة على ذلك لا يسعني الخوض فيها الآن.

الأمر ليس بالسهولة التي يتخيلها البعض. فالإعلام، وخصوصًا مثل هذه المنصات الإعلامية المعروفة بانحيازها، ليس جهة محايدة على الإطلاق، بل هو أداة قوية تستخدمها أطراف متنازعة ضد أخرى بهدف تمرير سياسات معينة، وبالأخص في الأوقات التي لا توجد فيها معارضات كبيرة. ولعل الجميع يتفق معي، في أن مثل هذه التصريحات يمكن أن تستخدم بفاعلية لإقناع المعسكر الداعم للتهدئة بأن الخيار العسكري هو الخيار الأمثل والأنسب، وسيكون هذا بمثابة كارثة حقيقية علينا وعلى غزة وأهلها الصامدين.

نصيحتي المخلصة لكل الشخصيات الفلسطينية الوطنية، التي يمكن استخدام تصريحاتها بشكل خبيث في تبرير سياسات ضارة ومجحفة بالقضية الفلسطينية العادلة، أن تتوقف تمامًا عن الحديث لهذه الصحف المشبوهة التي ستستخدم كلامهم بمهارة لصالح الأجندة الصهيونية الخبيثة.

إذا كانت هناك رغبة حقيقية في توصيل رأي محدد إلى أصحاب القرار أو النخب الغربية المؤثرة، فالخيار الأفضل والأكثر أمانًا هو أن يكون ذلك عبر مقال رأي متكامل يتم نشره كاملًا، بدون تحريف أو اجتزاء، في أي من هذه الصحف الموثوقة.

أما بالنسبة للبرامج التلفزيونية والمنصات الإعلامية الغربية، وبالأخص الأميركية، فيجب ألا تتم المشاركة فيها إلا إذا كانت المشاركة مباشرة (Live)، حتى لا يتم التلاعب بالكلام أو اجتزاؤه ببراعة لخدمة الأجندة الصهيونية الماكرة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة